كنا نتوقع أن يلجأ بعض المستثمرين العقاريين للمحاكم الدولية للقفز على أحكام القضاء المصرى ومحاولة الاحتفاظ بما
استولوا عليه من أراض قبل ثورة يناير بطرق غير مشروعة أو ابتزاز الدولة المصرية، وبالفعل صدقت توقعاتنا، حيث أكد حسين السجواني رئيس شركة داماك العقارية فى تصريحات صحفية أنه فوض مستشارا قانونيا دوليا لرفع طلب تحكيم دولي ضد مصر إلى المركز الدولي، بعد الحكم الصادر ضده بالسجن خمس سنوات لتورطه في عملية شراء
30 مليون متر مربع في منطقة خليج جمشا على ساحل البحر الأحمر بطرق غير مش روعة، وهو ما اعتبره سجوانى حكما سياسيا، نافيا وجود دليل واحد على ارتكابه أي مخالفة قانونية.
وإذا كان وقع ما يجري ثقيلا علي المستثمرين الأجانب، فوقعه أثقل على المواطن المصرى والدولة التى صار قدرا عليها أن تحارب على جبهتين؛جبهة الداخل وجبهة الخارج. والسؤال: ما هى السيناريوهات المطروحة فى هذا الشأن؟
فى البداية، يؤكد م. زكريا الجوهري الخبير والمقيّم العقاري علي عدم توجه أغلب الشركات الأجنبية التي تدور
حولها شبهات الاستيلاء علي أراضي مصر إلي اللجوء للتحكيم الدولي بشأن عقود الأراضي التي حصلت عليها في ظل الفترات
السابقة التي كان يخيم عليها حالة من عدم الشفافية، مشيرا إلى أن احتمالية لجوء «الفطيم » إلي ذلك التحكيم بسبب أرض مشروع
فيستفال سيتي بالتجمع الخامس ربما يعتبر حالة خاصة، لأن هذه الأرض سبق وتم سحبها ثم تصالحت عليها الفطيم مع الدولة، بدفع
مبلغ قدره حوالي 420 مليون جنيه مصري، وذلك نهاية العام الماضي وقبل قيام الثورة ليعاد بيع المتر بمبلغ 1500 جنيه بدلا من 150 جنيها، ويقدر الجوهري سعر المتر الآن بتلك الأرض بحوالي 3آلاف جنيه، ولكن بعد المصالحة التي تمت لم يتبق ما يفصل في الأمر سوى بنود العقد الذي وقعته الشركة.
ونفي الجوهري مزاعم بعض الشركات بأن ما يجري معها من ملاحقات هو مجرد تصفية حساب مع النظام السابق ومجرد موقف سلبي من وزير الإسكان السابق أحمد المغربي، مؤكدا أنه لا يوجد عداء شخصي بين الحكومة وهيئة المجتمعات العمرانية من ناحية وبين المستثمرين الأجانب من ناحية أخري، وأنه لا مجال للزعم بأن ما يتم هو تصفية حسابات لعدم وجود صلة مباشرة بين هذه الشركات والوزير السابق يمكن أن يضار بها.
معاداة مصر
وجدد الجوهري تأكيده ولكن هذه المرة علي عدم رغبة الشركات الكبري في معاداة مصر واختصامها دوليا وتحديدا في الوقت الحالي، لأن السوق المصري سوق واعد وبات ينبئ بمزيد من الخير بعد حالة الشفافية التي ستفرض نفسها بعد الثورة، واستمرار التوقعات الإيجابية مع بداية العام الماضي مما سيحرم الشركات التي تفكر في انتهاج سلوك الاختصام من هذه المزايا مستقبلا.
وقال الجوهري إن اللجوء للمحاكم الدولية يجب أن يسبقه محاكمة محلية أولا ثم اللجوء للتحكيم الدولي إذا رأوا أن الحكم
لم يكن منصفا، وأنه حتي الآن لم يتم تداول أي دعوي علي هذا النسق.
العبرة بالنتائج
من جانبها، قالت د.علياء المهدي – الخبير الاقتصادي – إنه من حق أي مستثمر أجنبي وقع عليه ضرر أن يلجأ لمقاضاة مصر دوليا، ولكن العبرة في النهاية بالنتائج وما إذا كانت هذه الشركات محقة في دعواها أم لا، وأنه في حالة وجود شبهة فساد في التعاقد سوف ينصف التحكيم الدولي مصر، أما إذا كانت للشركات الأجنبية التي لها مشاريع في مصر حق ووقع عليها ضرر فالمهم هو تحقيق العدالة.
وأضافت د. المهدي أن مثل هذه المحاكمات الدولية سوف تؤثر سلبا علي سمعة مصر وعملية جذب الاستثمارات إليها علي الأقل في الأجلين القصير والمتوسط، ومن هنا ترى أنه من الأفضل إجراء مفاوضات مع الشركات بهدف جعل هذه الشركات تستمر محتفظة بملكية تلك الأراضي مع دفع فارق السعر العادل دون الدخول في خصومة ومحاكمات.
وأشارت إلى أنه على الرغم من الأثر الناتج عن المحاكمات والطعن في صحة عقود الأراضي التي بها شبهة فساد وهو التأثير بالسلب نوعا ما علي مسار الاستثمار على المدي المتوسط، إلا أنه يعد إيجابيا جدا علي المدي البعيد لأن التصدي للفساد يعمل علي تحسين المناخ العام للاستثمار ويخلق حالة من الشفافية تساهم في جذب الأموال، وخاصة أن كثيرا من الشركات الأجنبية وغيرها كانت تعاني من دفع عمولات وأموال كثيرة في سبيل تسيير أعمالها، وهو ما لن يتكرر بعد محاربة الفساد، مما يفتح المجال لدخول الكثير من المستثمرين الأجانب للسوق المصري.
«تهويش »
من ناحية أخرى، قلل فريد الديب المحامي الجنائي المخضرم من أهمية مثل هذه المحاكمات الدولية، واصفا ذلك ل”جدران” بعبارة موجزة جدا نصها:”كل دا كلام فارغ وتهويش، لن يكون له أي أثر حقيقي والدولة لن يقع عليها أي مسئولية في مثل هذه الدعاوي التي لن يكون لها أي أثر”.
شروط اللجوء
وهذا ما أكد عليه أيضا نبيه الوحش المحامي الذي قال إن اللجوء للتحكيم الدولي يستلزم أن تكون العقود سليمة وتقاعست الدولة أن تنفذ الالتزامات الورادة بها وأخلت بشروطها، ولكن في حالة وجود بطلان بالعقد أو مخالفة قانونية وعلي رأسها قانون المزايدات
والمناقصات فإنه لا يعتد به أمام التحكيم الدولي لأن البطلان لا يترتب عليه أي حقوق.
وأضاف الوحش أنه لا يمكن اللجوء إلي التحكيم الدولي إلا في حالة إذا ما نص العقد علي ذلك بين الدولة وأي من الشركات، وأن كثيرا من أصحابها لن يلجأوا لذلك لعلمهم أنهم حصلوا علي الأراضي بالمخالفة للقانون وبالتواطؤ مع المسئولين مما يخضعهم للمسئولية الجنائية في حالة تحققها.
وطالب الوحش تحميل الوزراء والمسئولين السابقين قيمة التعويضات التي قد تترتب علي أي قضية دولية، لأن الأخطاء التي ارتكبوها شخصية ويجب أن يتحملوها هم وليس خزانة الدولة، وخاصة أن مصر عانت كثيرا من قضايا التعويضات وكان آخرها قضية سياج التي كلفت مصر مبلغ 134 مليونا.
نقلا عن مجلة عقارماب